ما الإخوانُ ولا الأعوانُ ولا الأصدقاء إلا بالمال ؛ ووجدتُ مَن لامالَ لَه إذا أرادَ أمراً ، قعد بهِ العدمُ عمّا يُريدُه ، كالماءِ الذي يبقى في الأودية مِن مَطرِ الشتاء لا يمرُّ إلى نهرٍ ولا يجري إلى مكان إلى أن يَفسد وينشف ولا يُنتَفعُ به ، ووجدتُ مَن لا إخوانَ له لا أهلَ له ، ومَن لا وَلدَ له ؛ لا ذِكر له ، ومَن لا مَال له ؛ لا عَقل له ، لأن من نزل به الفقرُ لا يَجدُ بُدّاً مِن تَرك الحياء ، ومَن ذَهَبُ حياؤه ذهب سُروره ، ومَن ذهبَ سروره مقتَ نفسَه ، ومن مقتَ نفسَه كَثُر حُزنُه ، ومَن كَثُرَ حُزنه قلَّ عَقلُه وارتبكَ في أمرِه ، ومَن قلَّ عَقلُهُ كان أكثرُ قولِه وعَملِه عَليهِ لا له ، ومن كان كذلك فأحْرَ به أن يَكونَ أنكدَ النّاسِ حظاً ، ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ إذا افتقر قطعهُ أقاربُهُ وإخوانُه وأهلُ ودِه ؛ ومَقتوه ورفضوه وأهانوه ؛ واضطره ذلك إلى أن يلتَمِسَ مِن الرزقِ ما يُغَرِرُ فيه نَفسه ويُفسِدُ فيه آخرتَه فيَخسَرُ الدارينِ جميعاً ، وإنَّ الشجرةَ النابتةَ في السباخ المأكولةَ مِن كُلِّ جانب ، كَحالِ الفقيرِ المُحتاجِ إلى ما في أيدي الناس ، ووجدتُ الفقرَ رأسَ كُلِّ بلاء ؛ ومَعدِنُ النميمةِ ؛ وجالباً إلى صاحبِهِ كُلَّ مَقت ، ووجدتُ الرجلَ إذا افتقرَ اتَّهمهُ مَن كان له مؤتَمِناً ؛ وأساءَ بِه الظَنَّ مَن كان يَظنُ به حُسناً ، فإن أذنبَ غَيُره كان هو للتهمةِ مَوضِعاً ، وليس مِن خِلَّةٍ هي للغني مَدحٌ إلا وَهي للفقيرِ ذَمٌ ، فإن كان شُجاعاً قيل أهوج ، وإن كان جوّاداً سُمي مُبذّراً ، وإن كان حليماً سُمِّي ضعيفاً ، وإن كان وَقوراً سُمِّي بَليداً ، وإن كان صَموتاً سُمي عيياً ، وإن كان لَسِناً سُمِّي مِهذاراً.
إذا هَبَّت رِياحُكَ فاغتَنِمها - فإنَّ لِكُلِّ خافِقَةٍ سُكونُ
و لا تَغفَلْ عَن الإحسانِ فيها - فَلا تَدري السُكونُ متى يَكونُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق