الصلوات الخمس ؟؟


روي عن علي رضي الله عنه ، بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالس بين الأنصار والمهاجرين ، أتى إليه جماعة من اليهود ، فقالوا له : يا محمد إنا نسألك عن كلمات أعطاهن الله تعالى لموسى ابن عمران لا يعطيها إلا لنبي مرسل أو لملك مقرب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سلوا . فقالوا : يا محمد أخبرنا عن هذه الصلوات الخمس التي افترضها الله على أمتك ؟ فقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام 
صلاة الفجر فإن الشمس إذا طلعت تطلع بين قرني الشيطان ويسجد لها كل كافر من دون الله ، قالوا : صدقت يا محمد فما من مؤمن يصلي صلاة الفجر أربعين يوما في جماعة إلا أعطاه الله براءتين ، براءة من النار وبراءة النفاق ، قالوا صدقت يا محمد 
صلاة الظهر فإنها الساعة التي تسعر فيها جهنم ، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة ، إلا حرم الله تعالى عليه لفحات جهنم يوم القيامة ...
وأما صلاة العصر فإنها الساعة التي أكل فيها آدم عليه السلام فيها من الشجرة فما مؤمن يصلي هذا الصلاة إلا خرج عن ذنوبه كيوم ولدته أمه ثم تلا قوله تعالى ' حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى'ـ 
وأما صلاة المغرب  فإنها الساعة التي تاب فيها الله تعالى على آدم عليه السلام فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة محتسبا ثم يسألالله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه
وأما صلاة العتمة ( صلاة العشاء )ـ فإن للقبر ظلمة ويوم القيامة ظلمة فما من مؤمن مشى في ظلمة الليل إلى صلاة العتمة إلا حرم الله عليه وقود النار ويعطى نورا يجوز به على الصراط . فإنها الصلاة التي صلاها المرسلون قبلي واتوقع ان كل من يقرأ هذا الكلام ان ينقله لأخ اليه أو أخوات في الله حتي يعم النفع وادع الله لنا الثبات .
                                    وأسألكم الدعاء 


اذا اتعبتك الدنيا ...

اذا أتعبتكَّ آلآم الّدنيا فلا تحزن ...
فرُبما اشتّاقَّ اللهُ لِسمَاع صَوّتِك وَأنتَ تدّعوه ...
 لا تنتَظرُ السعَادة حتّى تبتَّسِمْ
ولَكنْ ابتَّسِمْ حتّى تَكون سَعيد
 لّماذا تُدّمن الّتفكير وَاللهُ وليّ الّتدّبير
 ولّماذا القَلقْ من المجهول ... وَكُلُ شئّ عِندَ اللهُ معلُوم ...
لِذَلك اطمئِنْ فأنْتَ فيْ عَين اَلله الّحَفيظْ
وَقُلْ بِقلبِك قَبْلَ لِسّانِك ... فــَوّضْـتُ أمْــرِيّ إلـىْالله
 يأإأإأإرب صبرني وفرج همي واسعدني في الدنيا
والاخره امين يأإأإأإرب

عندما افتقدك ...


سأفتقدك جدا...!حين تتساقط الامطار ..وتملأ رائحة الارض المكان وارتجف بردا.. وارتجف شوقا...وارتجف رعبا .. ويشتد حوليّ الشتاء سأفتقدك... !حين يأتي الليل بلا صوتك.. وبلا طيفك..وبلا دفئك وابحث عنك في رداء القمر ولا اجدك..واغفو كالطفل الجريح ..فوق صدر المساء سأفتقدك ...!حين يمد لي احدهم ذراعيه...وينتشلني من بحر احزاني ويمنحني أجنحة جديده..ودماء جديده..وحياة جديده..ويسأل قلبي عنك بخجل وتحن اليك في عروقي الدماء سأفتقدك...!حين اتناول طعامي..ولا تكونى في المقعد المقابل ..ولا المقعد المجاورولا المقعد القريب..ولا البعيد..واجلس وحيد تحاصرني العيون من الغرباءسافتقدك ...!حين اردد امامهم كاذب اني نسيتك وان امرك ما عاد يعنيني..!وان فراقك ما عاد يشقيني ..واني لا اعود في المساء..كالطفل الى سريري ابكيك في الخفاء..! سأفتقدك جدا...!حين اعترف بيني وبين نفسي..بأن الرسائل التي أحرقتها ..احرقتني وبـأن الهدايا التي كسرتها كسرتني..وبأن البقايا التي قتلتها قتلتني وبأن مشانق النسيان التي اعددتها لك..وحدي انتهي تحتها في المساء سأفتقدك ...! حين تحدثني عنك اخرى..وتسرد حكاية شوقك ..واشم عطرك في يديها فأشتاقك أكثر..وأرفضك أكثر.....وأحبك اكثر ..... وأكرهك بلا انتهاء سأفتقدك جدا..!حين يسألني عنك قلبي وأصمت..ويسألني عنك عقلي وأصمت..! ويسألني عنك  وأصمت..ويسألني عنك جداري وأصمت! ويسألني عنك هاتفي وأصمت..وأتحول الى قالب من الثلج يقتات الصمت بكبرياء سأفتقدك...! حين اعلم انكِ عشتِ بعدي الف حكاية حب..وكتبت بعدي الف قصيدة حب وعشقتِ بعدي ..ومع ذلك مازلت أ بحث عنكِ بين النساء .

قالوا في الام ,,,

 
كلام جميل جداً عن الأم عندما كان عمرك سنة قامت بتغذيتك وتغسيلك .أنت شكرتها بالبكاء طوال الليل .عندما كان عمرك سنتان قامت بتدريبك على المشى .أنت شكرتها بالهروب عنها عندما تطلبكعندما كان عمرك ثلاث سنوات قامت بعمل الوجبات اللذيذة لك أنت شكرتها يقذف الطبق على الأرضعندما كان عمرك أربع سنوات قامت بأعطائك قلما لتتعلم الرسم أنت شكرتها بتلوين الجدران.عندما كان عمرك خمس سنوات قامت بإلباسك أحسن الملابس للعيد أنت شكرتها بتوسيخ الملابسعندما كان عمرك ست سنوات قامت على تسجيلك في المدرسة. أنت شكرتها بالصراخ لا أريد الذهاب.عندما كان عمرك عشر سنوات كانت تنتظر رجوعك من المدرسة لتعانقك أنت
شكرتها بدخولك الى غرفتك سريعا .عندما كان عمرك خمسة عشر سنة كانت تبكي خلال نجاحك. أنت شكرتها بطلبك هدايا النجاح عندما كان عمرك عشرون سنة كانت تتمنى ذهابك معها الى الأقارب أنت شكرتها بالجلوس مع أصدقائك.عندما كان عمرك خمس وعشرون سنة ساعدتك في تكاليف زواجك . أنت شكرتها بالسكن أبعد مايمكن عنها أنت وزوجتك . عندما كان عمرك ثلاثون سنة قالت لك بعض النصائح حول الأطفال. أنت شكرتها بقولك لا تتدخلين في شؤوننا. عندما كان عمرك خمس وثلاثون سنة أتصلت تدعوك للغداء عندها. أنت شكرتها بقولك أنا مشغول هذه الأيام
عندما كان عمرك أربعون سنة أخبرتك أنها مريضه وتحتاج لرعايتك.أنت شكرتها بقولك عبء الوالدين ينتقل الى الأبناء.وفي يوم من الأيام سترحل عن هذه الدنيا وحبها لك لم يفارق قلبها اذا كانت والدتك لا تزال بقربك لاتتركها ولاتنسى حبها وأعمل على أرضائها .لأنه لايوجد لديك إلآ أم واحدة في هذه الحياة وعندما تموت سوف تنادىعليك الملائكة أن قد ماتت من كنت ترحم بسببها ... رحمة الله على موتى المسلمين اجمعين ...

علمتني الحياة




علمتني الحياة ان استمع لكل رأي واحترمه وليس بالضرورة ان اقتنع به.
علمتني ان ابكي فالبكاء راحة للنفوس شرط ان امسح دمعتي قبل ان يراها الآخرون
علمتني ان لا اسرف بحزني وفرحي فالحياة لا تتم على وتيرة واحده.
علمتني ان لا اتدخل فيما لا يعنيني حتى لو بالاشاره.
علمتني ان الصداقه عطاء ثم عطاء ثم عطاء ولكن من الطرفين.
علمتني انه عندما يغيب المنطق يرتفع الصراخ.
علمتني ان اتحمل المسؤوليه مهما عظمت طالما تصديت لها بكل ارادتي الحره اتحمل كافة نتائجها.
علمتني ان احزن كثيرا عندما اقول وداعا لأي صديق فقد يكون وداعا لا لقاء بعده.
علمتني ان اكون النجمة التي تقضي عمرها من اجل بث النور للجميع دون ان تنتظر من احد رفع رأسه ليقول شكرا .


الحزن اني ادمنت حبك





الحزن
أن أدمن حب وأدمن صوتك وأدمن عطرك وأدمن وجودي معك ثم أفتح عيني على غيابك
------------------
الحزن
هو أن ألتقيك في زحمة العمر وأنسج معك أجمل حكاية حب نعيش تفاصيلها وطقوسها

ونحلم بغد أفضل ثم تنتهي الحكاية بمأساه
----------------
الحزن
هو أن أفتح لك مدن أحلامي وأسكن معك في قصر من الخيال ثم ينهار القصر على رأسي
----------------
الحزن
هو أن أخبئ عمري في قلبك وأملأ حقائبك بأيامي وأضع سعادتي في عينيك
ثم ألوح لك مودعه لاحول لي ولا قوه
------------------
الحزن
هو أن تصبح مع الأيام عيني التي أرى بها وهوائي الذي أتنفسه ودمي الذي أعيش به
ثم أنزفك عند الرحيل دفعه واحده
-----------------
الحزن
أن تتحق بعد حلم وألتقيك بعد أمنيه وأن تأتي بعد إنتظار وأن أجدك بعد بحث
وأن أستيقظ على زلزال رحيلك
-----------------
الحزن
أن اغمض عيني فأراك وأن اقف أمام المرأه فأراك وأن ألمح هداياك فأراك
وان أقرأ رسائلك فأراك وعندما أعود لواقعي لا أراك
-----------------
الحزن
أن أجمع البقايا خلفك وأن أرسم وجهك في سقف غرفتي
وأن أحاورك كل ليله كالمجانين وأن أشد الرحال إليك عند الحنين
وأن أعود إلى سريري آخر الليل فأبكيك وأبكيك
----------------
الحزن
أن ياتي العيد وأنا وحدي وأن يأتي الربيع وأنا وحدي
وأن تهطل الأمطار وأنا وحدي وأن يطرق الحنين بابي وأنا وحدي
وأن يمضي بي أجل العمر وانا وحدي
 مع تحياتي ...


لا شيء يستحق ...

.... وفي النهايه....أعتذر لقلبي .... لأني أتعبته كثيراً فى لحظات حبي .... و جرعته ألماً فى لحظات حزني....و بدون تردد نزعته من جسدي لأهبه لمن لا يستحق...... احببتك حتى احترقت معانى الحب خجلا ,,,, حتى الغيت وجودى فلا وجود لى الا بوجودك !! ؟ اعتدت ان اسمع كلمات الحب ولاانطقها واليوم انا انطقها ولااسمعها!!!! احببتك حتى اتقنت تخاطب الارواح عن بعد بالأمس وجدت بعض سطورك فقبلت كل حرف فيها ووضعت الورقة على صدري وانثنيت عليها فشعرت كبدي تتصدع الما من حنيني اليك 
اعلم انك أحببتني وأعلم ان أخطأت في حق حبك ولكني مازلت احبك حبا يسري مع كل قطرة من دمي حبا لاتفسير له سأذكرك مع كل اطلالة فجر مع كل مرور نسمة بارده كتلك التي كنا نتحدث بها !!! أذكرك مع كل صوت هاديء يذكرني بصوتك سأذكرك رغما عن هذا القلب المكابر الذي يهرب من ذكراك وحبك رغما عن هذا العقل الجبار الذي يستنهض كل ذكريات قلمك القاسي سأحبك ليس كأول مره وليس كااخر مره ولكن اكثر واكثر من كل مره.... 
ابو انس / أبو علي

ليس لى رب سواه ..


أروع كلمة هي كلمة تستشعر من خلالها بأن روحك خاشعة ودمعتك هادرة على وجنتيك وتقولها بيد مرفوعة::يــــــــــــــا رب :: أطول كلمة يصل مداها إلى أبعد الحدود ومهما تطول صداها يدوي بالأرض والسماء ولا أصدق شيء منها لأنها تنبع من قلب صادق :: أشهد أن لا إله إلا الله :: أحن كلمة تسمعها تنبعث منها المحبة وصدق الاحساس الذي لا تجده بمكان آخر عندما تخرج تلامس كل حنان العالم ::أمـــــــــــــــــــــــــــــــــي :: أقرب كلمة إلى قلبك هي ما تداعب قلبك بكل صدق وتشعر بقرب الدفء والمشاعر عند قولها وسماعها ::أخـــتي / أخــــي :: أجمل احساس عندما تعيش لفترة تعشق انسان وعندما تصادف عينك بعينه تجده يقول لك :: أحـــــبــك :: أصعب لحظة عندما تسمع عن إنسان تحبه مريض ويحتاجك ولا تستطيع قربه وتقف بيد مكتوفة دون حيلة ولا بلسانك كلمة سوى :: الله يشـــفيه :: أحزن لحظة رؤيتك لمن أحببتهم عاجزين بعد نشاط وجولان وانطلاقة اللسان وصدق المشاعر ولا تقول إلا :: الله كـــريــم :: أسوأ لحظة تكون بفرح وسعادة وتتبادل الابتسامات والكلمات وتسمع بخبر وفاة قريب من قلبك فلا تجد إلا دمعة حارقة وكلمة :: رحمـــــــه الله :: أشد كلمة عندما تحب باخلاص وتعطي كل حبك وتقدم كل مشاعرك وتهب قلبك لشخص ما .. وبلحظة دون مقدمات يبعد بظهره عنك ويلتفت قائلا :: الله معــــــك ::

عبر لمن يعتبر

لا تندم على حب عشته ....

لا تندم على حب عشته ..
.. حتى لو صارت ذكرى تؤلمكفان كانت الزهور قد جفت و ضاع عبيرها ... و لم يبقى منها غير الاشواك((( فلا تنسى انها منحتك عطرا جميلا أسعدك))) لا تكسر ابدا كل الجسور مع من تحب...فربما شاء ت الاقدار لكما يوما لقاء آخر يعيد الماضي , و يصل ما انقطع ..((( فاذا كان العمر الجميل قد رحل فمن يدري ربما انتظرك عمر اجمل)))
و اذا قررت يوما ان تترك حبيبا فلا تترك له جرحا..
((( فمن اعطانا قلبا ))) ==> لا يستحق ابدا منا ان نغرس فيه سهما او نترك له لحظه الم تشقيه.."و اذا فرقت الايام بينكما "فلا تتذكر لمن كنت تحب غير كل احساس صادق ..و لا تتحدث عنه الا بكل ما هو رائع و نبيل..." فقد اعطاك قلبا ...و أعطيته عمر "و ليس هناك اغلى من القلب و العمر في حياة الانسان و اذا جلست يوما و حيدا تحاول ان تجمع حولك ظلال ايام جميله عشتها مع من تحب ...اترك بعيدا كل مشاعر الالم و الوحشه التي فرقت بينكما حاول ان تجمع في دفاتر اوراقك كل الكلمات الجميله التى سمعتها ممن تحب و كل الكلمات الصادقه التى قلتها لمن تحب و اجعل في ايامك مجموعه من الصور الجميله لهذا الانسان الذي سكن قلبك يوما ملامحه و بريق عينيه الحزين و ابتسامته في لحظه صفاء ..ووحشه في لحظه ضيق ..و الامل الذي كبر بينكما يوما ...و ترعرع حتى و ان كان قد ذبل و مات .."و اذا سألوك يوما عن انسان احببته "
فلا تقل سرا كان بينكما ..و لا تحاول ابدا تشويه الصوره الجميله لهذا الانسان الذي احببته ..اجعل من قبلك مخبأ سريا لكل اسراره و حكاياته ..(((فالحب اخلاق قبل ان يكون مشاعر)))" و اذا شاءت الاقدار و اجتمع الشمل يوما "فلا تبدا بالعتاب و الهجاء و الشجن ..و حاول ان تتذكر آخر لحظه حب بينكما لكي تصل الماضي بالحاضر ..و لا تفتش عن اشياء مضت لان الذي ضاع ضاع ...و الحاضر اهم كثيرا من الماضي ...و لحظه اللقاء اجمل بكثير من ذكريات وداع موحش .."و اذا اجمتع الشمل مره اخرى"
حاول ان تتجنب اخطاء الامس التي فرقت بينكما ..لان الانسان لابد ان يستفيد من تجاربه ..و لا تحاول ابدا ان تصفي حساباتاو تثأر من انسان اعطيته قلبك((( لان تصفيه الحسابات عمله رخصيه في سوق المعاملات العاطفيه)))(((و الثأر ليس من اخلاق العشاق )))و من الخطا ان تعرض مشاعرك في الاسواق .. و ان تكون فارسا بلا اخلاق.."و اذا كان و لا بد من الفراق"فلا تترك للصلح بابا الا مضيت فيه.." و اذا اكتشتف ان كل الابواب مغلقه و ان الرجاء لا امل فيه" ان من احببت يوما قد اغلق مفاتيح قلبه ,,,, و القاها في سراديب النسيان !!!هنـــــــا فقط اقــــول لك ان كرامتــك اهم بكثيـــــر من قلبك الجريــح حتى و ان غطت دماؤه سماء هذا الكون الفسيـــــح ..فلــن يفيد ان تنـــادي حبيبا لا يسمعــــــك ..وا ن تسكــــن بيتا لم يعد يـــعرفك احد فيـــه و اتعيش على ذكرى انسان فرط فيــك بلا ســـبب..في الحب لا تفرط فيمن يشتريك... و لا تشتري من باعك ولا تحزن عليه .....
أبو انس / أبو علي

عبادة الخشوع

.... إن مما شرعه الله عز وجل مما يبرز فيه خشوع القلوب وسكونه "الصلاة"، ولقد كان السلف الصالح إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن الرحيم عز وجل عن أن يشذ نظره أو يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسيًا ما دام في صلاته ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 -71].
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، اتقوا الله سبحانه تقوى تحجزكم عن الوقوع في المعاصي، وتدفعكم لفعل الطاعات والإكثار من القربات والمنافسة في الأعمال الصالحات.أيها الإخوة المسلمون: إن من أجلّ العبادات التي يتمايز الناس بها ويتفاضلون بحسب ما يستقر في قلوبهم منها عبادة الخشوع والذل لله الواحد القهار، هذه العبادة التي يظهر فيها مدى استشعار القلب لعظمة الله وجلاله وجماله وكماله، هذه العبادة التي تكسب صاحبها إخبات وإنابة وذلا وفاقة ومسكنة وحاجة إلى الغني القوي إلى الغفور الرحيم إلى الكريم الودود سبحانه وتعالى.. ولهذا كان من دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم الثابت عنه «اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في ذُمرة المساكين».
والمراد بالمسكنة هنا هو الإخبات الناشئ من خشوع القلب وسكينته لله رب العالمين..

إننا أيها الإخوة المسلمون: بأمس الحاجة في هذا الزمن إلى تدارس هذا الموضوع المهم؛ لعله يسهم في إيقاظ القلوب وتحريك الهمم في هذا الوقت الذي كثرت فيه الغافلات، وأصيبت القلوب بالقسوة.أيها الإخوة في الله: لقد مدح الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم المخبتين من عباده له، المنكسرين لعظمته سبحانه، الخاضعين والخاشعين لها، قال سبحانه وتعالى (كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90]، وقال سبحانه (وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35].
ووصف سبحانه المؤمنين من عباده بالخشوع له في أشرف عباداتهم التي عليها يحافظون، فقال سبحانه (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2] إلى غير ذلك من الآيات القرآنية الواردة في شأن الخاشعين والخاشعات..أصل الخشوع -يا عباد الله- هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب وعمر بهذه المعاني العظيمة تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأن الجوارح والأعضاء كلها تابعة للقلب، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».فإذا خشع قلب العبد خشع السمع والبصر، خشع الرأس والوجه، خشعت سائر الأعضاء وما ينشأ عنها حتى الكلام، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه في الصلاة «خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي» وفي رواية «وما استقل به قدمي».ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يعبث بيده في الصلاة، فقال رضي الله عنه "لو خشع قلب لخشعت جوارحه".وفسر علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخشوع في قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:2 ] قال رضي الله عنه: " الخشوع في القلب وأن تلين للمرء المسلم كنفك وألا تلتفت في صلاتك".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 2] أي خائفون ساكنون.وقال الحسن رحمه الله "كان الخشوع في قلوبهم فغضوا له البصر في الصلاة".وقد وصف الله تعالى في كتابه الكريم الأرض بالخشوع فقال سبحانه (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [الحج: 5] فاهتزازها وربوبها وهو ارتفاعها مزيل لخشوعها, فدل على أن الخشوع الذي كانت عليه هو سكونها وانخفاضها، فكذلك القلب إذًا فإنه تسكن خواطره وإراداته الرديئة التي تنشأ من اتباع الهوى وينكسر ويخضع لله, فيزول بذلك ما كان فيه من التعاظم والترفع والتكبر..ومتى سكنت هذه المعاني في القلب خشعت الأعضاء والجوارح والحركات كلها حتى الصوت, وقد وصف الله تعالى الأصوات بالخشوع في قوله تعالى: (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) [طه:108].فالأصل في الخشوع -عباد الله- أن يكون في القلب لكن تظهر آثاره على الجوارح والأعضاء، ومتى تكلف الإنسان تعاطي الخشوع في جوارحه وأطرافه مع فراغ قلبه من الخشوع وخلوه منه كان ذلك هو خشوع نفاق وهو الذي كان السلف رحمهم الله يستعيذون بالله منه كما قال بعضهم: "استعيذوا بالله من خشوع النفاق"، قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال:" أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع".ونظر عمر رضي الله عنه إلى شاب قد نكس رأسه فقال له: "يا هذا! ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب".قال ابن رجب رحمه الله: " فمن أظهر خشوعا غير ما في قلبه فإنما هو نفاق على نفاق".وأصل الخشوع في القلب إنما ينشأ من جملة أمور من أعظمها: معرفة الله عز وجل ومعرفة عظمته، ومعرفة جلاله وكماله وجماله، فمن كان بربه أعرف فهو له سبحانه أخشع..ومن الأسباب الباعثة على الخشوع في القلب والتي يتفاوت الخشوع في القلوب بحسب تفاوتها وتمكنها من القلوب مطالعة العبد لقرب الله منه وإطلاعه على سره وضميره المقتضي للاستحياء من الله تعالى ومراقبته سبحانه في الحركات والسكنات..متى استشعر المسلم ذلك كله استشعارًا حقيقيًّا وجل وخشع قلبه وكيف لا يخشع قلبه حينئذ وهو يسمع قوله تعالى (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19] ويسمع قوله تعالى: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ *وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الشعراء: 218 -220].
ومما يبعث الخشوع في القلب: مطالعة العبد لكمال الله وجماله وجلاله المقتضي للاستغراق لمحبته سبحانه والشوق إلى لقائه ورؤية وجهه الكريم يوم القدوم عليه سبحانه..ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "وأسألك لذة النظر إلي وجهك الكريم والشوق إلى لقائك".ووصف الله المؤمنين بأنهم أشد حبا لله وما أعظم جزاء من خشع قلبه حبًّا لله وإجلالا وتعظيما ورغبة ورهبة ودمعت عيناه شوقا للقاء ربه وتعظيمًا وإجلالاً وخوفًا ورغبة ورهبة من ذي الجلال والإكرام..فإن من السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله "رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" ذكر جمال الله وكماله وقوته وقدرته ورأفته، ذكر ذلك كله ففاضت عيناه حبا لخالقه وشوقا للقاء مولاه، كيف لا يحب لمسلم ربه وهو سبحانه المنعم المتفضل عليه الذي رباه بنعمه وكلأه بعنايته ورعاه بلطفه منذ أن كان نطفة في رحم أمه حتى خرج إلى هذه الدنيا، ثم توالت عليه وخيرات خالقه وأفضاله وإحسانه فهو يتقلب في نعم لا يعدها ولا يحصرها يتقلب فيها صباحا ومساءا ليلا ونهارا..ومن الأسباب الباعثة التي تجعل الخشوع في القلب مطالعة العبد لشدة بطش الله وانتقامه وعقابه ممن عصاه وأعرض وتذكر صراطه المستقيم..مطالعة بشدة بطش الله وانتقامه وعقابه المقتضي بالخوف منه سبحانه وتعالى فكما أنه سبحانه الرءوف الرحيم الكريم الودود هو سبحانه العزيز الجبار القوي القهار (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ *خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) [هود: 102- 107].أيها الإخوة المسلمون: إذا خشع القلب لله رب العالمين وامتلأ بمعاني الخشوع والذل والانكسار بين يدي العزيز الجبار حظي بالخير العميم وظفر بالفوز العظيم، فإن الله سبحانه وتعالى جابر المنكسرة قلوبهم من أجله فإنه سبحانه، وهو سبحانه في عليائه وكماله وجلاله وغناه عن خلقه يتقرب ممن يناديه في الصلاة ويعطر وجهه في السجود لعلام الغيوب..كما يتقرب من عباده الداعين له، السائلين له، المستغفرين من ذنوبهم بالأسحار، يجيب دعائهم، يحقق مرادهم، يعطيهم سؤلهم، ولا جبر لانكسار القلب أعظم من حصول القرب والإجابة من الله عز وجل..وإن مما يوجب الخشوع في القلب: العلم النافع الذي يباشر القلب فيوجب له السكينة والخشية والإخبات لله والتواضع والانكسار وإذا لم يباشر القلب ذلك العلم وإنما كان على اللسان فهو حجة لله على ابن أدم تكون على صاحبه وغيره كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم".وقال الحسن رحمه الله " العلم علمان: علم باللسان وعلم بالقلب، فعلم القلب هو العلم النافع وعلم اللسان حجة الله على ابن آدم".ولهذا جاء في الحديث الذي خرجه النسائي في السنن الكبرى من حديث جبير بن نفير رضي الله عنه عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نظر إلى السماء يوم فقال هذا أوان يرفع فيه العلم"، فقال رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد: يا رسول الله أيرفع العلم وقد أثبت ووعته القلوب؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن كنت لأحسبك من أفقه رجال المدينة" وذكر ضلال اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله عز وجل قال: فلقيت شداد بن أوس فحدثته بحديث عوف بن مالك فقال: صدق عوف، ألا أخبرك بأول ذلك يرفع؟ - أي بأول علم يرفع- فقلت: بلي، قال: الخشوع حتى لا ترى خاشعًا.وخرجه الترمذي من حديث جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه لما أخبره بالذي قال، فقال: صدق أبو الدرداء لو شئت لحدثتك بأول علم يرفع من الناس "الخشوع يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلا خاشعا"ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يستعيذ بالله من علما لا ينفع ومن قلب لا يخشع..فنسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يزين قلوبنا بمحبته ويعمرها بالخشوع والإخبات له..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16].بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.والحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدينأما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين ومن شذ عنهم شذ في النار..أيها الإخوة المسلمون: لقد عاتب الله الصحابة بقوله تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16].قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عُوتبنا بهذه الآية إلا أبع سنين"، وهم من هم رضي الله عنهم وأرضاهم، من هم في الصدق والرغبة والرهبة..لقد سمع كثيرًا من الصالحين هذه الآية تتلى فأثرت فيهم آثارًا عظيمة، فمنهم من اغتم وحزن، ومنهم من تاب وأقبل إلى ربه عز وجل وخرج مما هو فيه من المعاصي الذنوب..

قال الحسن رحمه الله " إن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ) قال: إن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها وأفضى يقينها إلى قلوبهم فخشعت لله قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم وكنت والله إذا رأيتهم رأيت قوما كأنهم رؤيا عين ".فوالله ما كانوا بأهل جدل ولا باطل ولا اطمئنوا إلا إلى كتاب الله ولا أظهروا ما ليس في قلوبهم ولكن جاءهم عن الله أمرًا فصدقوا به فنعتهم الله تعالى في القرآن أحسن نعت فقال سبحانه (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان: 63] قال رحمه الله: "حلماء لا يجهلون وإذا جهل عليهم حلموا أيضًا، يصاحبون عباد الله نهارهم بما يسمعون ".ثم ذكر ليلهم خير ليل فقال: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان: 64] تجري دموعهم على خدودهم خوفا من ربهم وشوقا له سبحانه..قال الحسن "لأمرٍ ما سهروا ليلهم، لأمرٍ ما خشعوا نهارهم، قال (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) " [الفرقان: 65].قال: "وكل شيء يصيب ابن آدم ثم يزول عنه فليس بغرام، وإنما الغرام الملازم ما دامت السماوات والأرض".قال رحمه الله: "صدق القوم والله الذي لا إله إلا هو فعملوا وأنتم تتمنون، فإياكم وهذه الأماني رحمكم الله فإن الله لم يعطي عبدا بأمنيته خيرا قط في الدنيا والآخرة".وكان رحمه الله يقول: "يا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة".إخوة الإسلام: إن مما شرعه الله عز وجل مما يبرز فيه خشوع القلوب وسكونه "الصلاة" ولقد كان السلف الصالح إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن الرحيم عز وجل عن أن يشذ نظره أو يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسيا ما دام في صلاته.ومما يظهر فيه الخشوع والذي من أفعال الصلاة: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في حال القيام، وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن المراد بذلك فقال " هو ذل بين يدي عزيز".وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " يحشر الناس يوم القيامة على قدر صنيعهم في الصلاة وفسره بعض رواته بقبض شماله بيمينه، والانحناء ".ولملاحظة هذا المعنى في الصلاة يوجب للمصلي أن يتذكر وقوفه يوم العرض الأكبر على الله بين يدي الله تعالى يوم الحساب.ومن ذلك: إقبال المصلي على الله عز وجل، وعدم الالتفات إلى غير خالقه فلا يلتفت قلبه إلى غير ما هو مباح له ولا يلتفت بالنظر يمينًا وشمالاً، بل يقصر بصره على موضع السجود وهو من لوازم الخشوع..ومن ذلك: الركوع وهو ذل بظاهر الجسد وتمام الخضوع مع ذلك بالركوع أن يخضع القلب لله ويذل له فيجتمع ذل الجسد وذل القلب وخشوعه..ومن ذلك: السجود وهو أعظم ما يظهر فيه ذل العبد لربه عز وجل حيث يجعل العبد أشرف أعضائه وأعزها عليه وأعلاها عليه حقيقة أوضع ما يمكنه فيضعه في التراب وجهه وجبينه وأنفه ويتبع ذلك انكسار القلب وتواضعه ولهذا كان جزاء المؤمنين، بل كان المؤمن إذا فعل ذلك ن يقربه الله إليه..فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".فأين نحن المسلمين؟ أين نحن من هذه المعاني في صلاتنا معاني الخشوع في صلاتنا، من الناس اليوم من إذا كبر تكبيرة الإحرام طاشت يده ذات اليمين وذات الشمال تعبث تارة بلحيته أو يشماغه أو بغير ذلك، وإذا ركع وسجد ينقر ركوعه وسجوده لا يعظم ربه عز وجل في ركوعه ولا في سجوده فبمجرد ما تلامس جبهته وأنفه الأرض يرفع مرة أخرى وهكذا لا يقيم صلبه في الركوع..
إن الصلاة عبادة عظيمة وإنما تعظم هذه العبادة بقدر ما يحصل للعبد من خشوع وخضوع وذلك لله رب العالمين.فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام تفضل علينا بالتوبة النصوح ومن علينا بالخشوع الصادق والإنابة التامة إنك على كل شيء قدير..
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على نبيكم محمد بن عبد الله فقد أمركم ربكم عز وجل في كتابه فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد..

الخيانة وأنواعها ...


.... اهتم الإسلام بسلامة المجتمع، ومنع ما يقوض بنيانه ويترك أثرًا سلبيًّا على علاقة أفراده، ومن تلكم الأخلاق السيئة التي حذر الإسلام منها خلق الخيانة فهي خصلة ذميمة تسبب إلى انعدام الثقة بين أفراد المجتمع المسلم خلق ذميم وخصلة قبيحة لا ترضاه النفوس السليمة ولكن ترتضيها النفوس الضعيفة والمريضة ؟
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:
فيا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، اهتم الإسلام بسلامة المجتمع، ومنع ما يقوض بنيانه ويترك أثرًا سلبيًّا على علاقة أفراده، ومن تلكم الأخلاق السيئة التي حذر الإسلام منها خلق الخيانة فهي خصلة ذميمة تسبب إلى انعدام الثقة بين أفراد المجتمع المسلم خلق ذميم وخصلة قبيحة لا ترضاه النفوس السليمة ولكن ترتضيها النفوس الضعيفة والمريضة.ولقد حذر الله المسلمين من هذا الخلق الذميم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27]، ونصوص الكتاب والسنَّة في التحذير من هذا الخلق وذمه وبيان سوء عاقبته، وأثره السيئة المترتبة عليها كثيرة، فمن ذلك أن الله جل وعلا أخبرنا أنه لا يحب الخائنين، فخلق الخيانة خلقٌ يبغضه الله قال الله جلَّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج: 38]، وقال جلَّ علا: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال: 58].
ونهانا ربنا أن نجادل عن الخائنين: (وَلا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء: 107]، ونهانا أن نجادل عمن يطلب ما ليس له أو عمن يمتنع عن بذل الحق الواجب عليه، وأخبر تعالى أن الخيانة من أسباب دخول النار: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا) [التحريم: 10] والمراد بالخيانة خيانة الدين، وأخبر تعالى أن كيد الخائن يعود عليه (وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) [يوسف: 52].والخيانة من أخلاق اليهود قال جلَّ وعلا: (وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ) [المائدة: 13]، والخيانة من أخلاق المنافقين يقول صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ من هذا الخصال كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" واستعاذ صلى الله عليه وسلم من شر الخيانة فقال: "اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فإنها سوء الخيانة".وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الخيانة تكون بعد القرون المفضلة تنتشر بين الناس فقال: "خَيْرَ القرون قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"، قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنه لاَ أَدْرِى أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً ثُمَّ: "يأتي أقوامٌ يَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ وَيَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يَفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ"، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الخائن لا تجوز شهادته فقال: "ولا تجوز شهادة الخائن والخائنة"، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الخائن متوعد بعدم دخول الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من راعٍ يسترعي رعيةً يموت حين يموت وهو غاشٌ لها إلا حرم الله عليه الجنة"، وأخبر صلى الله عليه وسلم عن ربه أن الله خصم الخائن في أمانته فيقول صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ"، وحذر صلى الله عليه وسلم من الخيانة فقال: "يُنْصَبُلكل غَادِرِ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ".
أيها المسلم: إن الخيانة لها أثر سيء في حياة المسلم فيما بينه وبين ربه، ومع نفسه، ومع عباد الله، ومع المجتمع كله، فالمؤمن ذو أمانة ودين فإذًا هو بعيد عن الخيانة فلا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون: 8] هكذا أهل الإسلام (لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).
أيها المسلم: وأعظم الخيانة الخيانة في الدين، بأن تأتي بناقضٍ من نواقض الإسلام تستحل أمرًا حرمه الله وأجمع المسلمون على تحريمه وعلم تحريمه من دين الإسلام بالضرورة، أو ترد أمرًا أمر الله به وفرضًا افترضه الله عليك معلوم فرضه ووجوبه من دين الإسلام بالضرورة، ومن ذلك ما تلوث به العقيدة من البدع والخزعبلات الصوفية والوسائل والذراع الشركية، ومن أنواع الخيانة في الدين الطعن في أصول الإسلام ومبادئه والتشكيك في ثوابته ومسلماته، ومن أنواع الخيانة تحريف النصوص من الكتاب والسنة وإخضاع الرأي البشري وتفريغها من مضموناتها وما دلت عليه، ومن أنواع الخيانة القدح في حملة الشريعة لاسيما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين بلغونا كتاب الله ونقلوا لنا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وجدوا واجتهدوا في ذلك، فأصحابه الكرام والتابعون لهم بإحسان السائرون على نهجهم يجب احترامهم وتقديرهم: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10].
ومن أنواع الخيانة في الدين: محاربة شعائر الإسلام والسعي في منعها، والطعن في حملة الشريعة وعلمائها والقدح فيهم بأي أنواع من القدح الدال على البغض والكراهية، ومن أنواع الخيانة أيضًا الطعن في الذات الإلهية أو محمد صلى الله عليه وسلم، فإن المؤمن محب لله معظم له، محب لرسول الله، فالطعن في ذلك من عنوان النفاق والخيانة بالأمانة.
أيها المسلم: إن المؤمن يحترم عرضه ويحافظ عليه، فالخيانة في العريض ارتكاب ما حرم الله مما جاء الشرع بتحريمه فإن الله حرم الزنا وجعله من كبائر الذنوب وأمر المسلم بأن يحافظ بأن يغض بصره ويحفظ فرجه (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) [النور: 30]، وأمر المؤمنات بذلك: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور: 31].
أيها المسلم: فعرضك واجب المحافظة عليه، فإياك أيتها المسلمة أن تخوني زوجك بأي أنواع من الخيانة فخير مال الرجل المرأة الصالحة الذي إن نظر إليها أسرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله، والرجل أيضًا يحافظ على أمانته مع امرأته فلا يخونها بارتكاب الحرام الذي ربما أثر على علاقتها معه أو نقل إليها الأمراض الأضرار العظيمة، وكذلك المحافظة على البيت من أي سلوك سيء فإن المسلم يحمي بيته من أفلام خليعة وصور فاتنة وأغاني ماجنة تهدم الأخلاق والكرم والفضائل.
أيها المسلم: ومن الخيانة خيانتك فيما أتمنت فيه من الأموال فإن الله يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58]، فالمسلم يؤدي الأمانة التي أتمن عليها فما أودع من مال ومن أُكل من مسئولية يؤدي تلك الأمانة، ويوصل الحقوق إلى أهلها فلا يخون ولا يجحد أموال وضعت عنده أو بصائر أو أوقاف أو صدقات للتوزيع أو نحو ذلك يلزم الأمانة الصادقة فيما بينه وبين الله، العمل الذي أُكل القيام به يؤديها وقتًا وأداء أمانةً وطاعة لله إذا هو يقتضي عليه مكافئه فيجب أن يؤديها ولا يخون فيها، أرباب المصانع يجب عليهم أن يؤدوا الأمانة في المواصفات المطلوبة فلا يخدعوا الناس بتخفيف المواصفات أو إدخال شعار يدل على الجودة والطيب وهم خلاف ذلك، التاجر المسلم يتقي الله في أمانته فلا يخون أمانته لا يخونها باحتكار السلع ومحاولة تقليلها وإخفائها أو تخفيض إنتاج المصانع لها لأجل رفع السعر على المستهلك كما يفعله البعض يمارسون هذه الطرق فتارةً ينسبون الأمر إلى الإخلال بالمصنع واختلاله وعدم قدرته أو حيل يأتون بها والله يعلم أن الغاية منها الإضرار بالمستهلك والربح وراءه برفع هذه السلع الضرورية سوء كانت مواد غذائية أو مواد بنائيه أو غي ذلك من مستهلكات البشر، فالذي يخون في أمانته بأنواع الحيل التي ينسبها يعلم أن الله مطلع عليه وعالم بسره وعلانيته فليتقي الله في ذلك.
أيها المسلم: ومن أنواع الخيانة خيانة الشريك لشريكه، فإن الشريك والشركاء يجب أن يؤدي كل منهم الأمانة لصحابه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل أن ثالث الشريكين ما لم يخن احدهما الآخر، فإذا خان احدهم الأخر رفعت يدي وجاء الشيطان".ومن أنواع الخيانة خيانة لأخيك المسلم فيما سألك من نصيحة واستشارك من مشورة فأبدي النصح الطيب والمشورة التي تعتقد صحتها وإياك أن تشير إليه أو ترشده إلى ما لا تعلم أنه خلاف الواقع فإن من حق المسلم على المسلم إذا نصحه أن ينصح له ويصدقه ويمحض الحق له، فإن المسلم يحب لأخيك المسلم ما يحب لنفسه، جعلني الله وإياكم من أهل الأمانة المؤدين لها المحافظين عليها، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.والحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، عباد الله، المؤمن حقًا يحافظ على وطن الإسلام، وعلى المجتمع المسلم ويسعى جهده في استتباب أمنه واستقراره وانتظام حياته والمحافظة عليه من كيد الأعداء من قرب أو بعد، هكذا المسلم الحقيقي وهكذا المواطن الصالح الذي يخاف الله ويتقيه، ولكن إخواني من أعظم خيانات الأوطانِ والمجتمعات المسلمة أن يكون لبعض أفراد الناس ارتباط بعلاقات خارجية ومع جهات مشبوهة الغاية منها أن يتخذ الأعداء جسرًا يعبرون منه على المجتمع المسلم فيدمرون ويفسدون ويخربون ويقعون فتنة وسفك الدماء ونهب الأموال وهتك الأعراض والفوضى بين أفراد المجتمع، فالسلم بعيد عن هذه الخيانة لا يرضى لوطن المسلم سوء ولا يسعى ولا يكون وسيلة ولا ذريعة ولا مطية لأعداء الإسلام بل يحفظ وطن المسلمين ويسعى في استقرار أمنه واستتبابه، إن من خيانة وطن المسلم التستر على المجرمين والمفسدين وإيواء الخائنين والمجرمين سوء كانت أخلاقية أو عقدية أو غير ذلك؛ لأن المسلم لا يقر الفساد ولعن الله من أوى محدثا، فلعن الله من أوى المحدث أواه ونصره ووقف بجانبه وخضع إلى الرشوة وغير ذلك لكي يضحي بوطنه ويضحي بالمجتمع المسلم من غير خوف ولا خجل ولا حياء، إن من خيانة الوطن ما يفعله بعض ضعفاء الإيمان من التجار المسلمين حينما يحدث للسلع ويرفعون أسعارها ويخفونها لأجل أن يرفعوا على المستهلك استهلاكه وهذا من خيانة الأمانة، إذا التاجر الصدوق الأمين يجب أن يتقي الله له أن يربح ويحقق الأرباح لكن لا على حساب الإضرار بالآخرين.
أيًّها الأمَّة: وإن من الخيانة للمسلمين نشر المخدرات والمسكرات وترويجها بين أفراد المجتمع فأولئك الذين يبيعون المخدرات ويروجنها في المجتمع المسلم ويكونون رصدًا لأعداء الإسلام يأخذونها ويروجنها ويبذلونها بين شباب الأمة لإفساد كيان أمة وتدمير أخلاقها وقيمها، ولأن كنا نسجل بمدد من نور لإدارة الجمارك وسلاح الحدود تلك المفاجئات العظيمة والسبق العظيم في الإطاحة بعصابات المخدرات الذين هم أفسد خلق الله وشر خلق الله، فالمسلم يعلم أن هؤلاء أعداء للأمة وأعداء لدينها وقيمها وأخلاقها، فالتستر على المجرمين عصابات السرقة والتخريب والشر والبلاء كل أولئك من يرضى بأعمالهم السيئة خائن لدينه خائن لأمته خائن لدينه، ومن أنواع الخيانة أيضا الإصغاء إلى أولئك الذين يدعون للفوضى ويدعون الاضطراب ويدعون إلى ما يدعون إليه من المواقع السيئة الخبيثة التي تملئ الأسماع بكل شر وبلاء، فليكن المسلم على حذر من أولئك فليسوا بصادقين ولكنهم أعداء للدين وأعداء للأمة وأعداء لكل خلق كريم.
إن من خيانة الأمة التلاعب بكل مصالح الأمة بكل ما يحدث من أناس يغتنون الفرصة أحيانا فيرفعون ويتحكمون في أمور الأمة في سبيل ما يجلب لهم من المصالح المادية على حساب الآخرين، فلنتقي الله في أنفسنا وفي تعاملنا مع مجتمعنا المسلم ولكن صادقين بعيدين كل البعد عن الخيانة في أحوالنا كلها فإن الله يقول: (لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) [الأنفال: 27] فإذا انفضت العلاقة بينك وبين ربك ثم بينك وبين نبيك فإنك تقع في الخيانة فيما أتمنت عليه في الأمانات كلها، فخير ما تحفظ به الأمانة تقوا الله ومراقبته في السر والعلن، أسأل الله أن يوفق الجميع ويحفظ الجميع بالإسلام، ويثبتنا وإياكم على الطريق المستقيم إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.وصَلُّوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمر بكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، ونصر عبادك الموحدين، وجعل اللَّهمَّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا ووفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمَّ وفقه لما يرضيك وولي عليهم خيارهم ونصرهم على من بغى عليهم، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللَّهمّ أمده بعونك وتوفيقك وتأيدك ومنحه الصحة والسلامة والعافية، وكن له عونا في كل ما همه وجعله بركته على نفسه وعلى المجتمع المسلم، اللَّهمَّ وفق ولي عهده نايف بن عبد العزيز لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله ومنحه الصحة والسلامة والعافية، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، اللَّهمّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنَّزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثتنا، اللَّهمَّ سقي رحمة لا سقي بلاء ولا هدم ولا غرق، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

حب الدنيا وكراهية الموت

.. إن حب الدنيا أدى إلى خذلان الإخوان، وممالأة الأعداء، وبيع الأوطان، واليهود ما كان لهم أن ينجحوا في احتلال فلسطين والبقاء فيها إلى الآن لولا خيانة العرب بعضهم بعضاً في الحرب وفي السلم، وكل ذلك بسبب حب الدنيا، وكل بلاد المسلمين التي احتلت في القديم والحديث ما كان للأعداء أن يستولوا عليها لولا الخيانات ..

الحمد لله العزيز الحكيم؛ قضى بالعز والرفعة للمؤمنين، وكتب الذل والصغار على الكافرين (وَلله العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8]نحمده على هدايته ورعايته، ونشكره على إمداده وكفايته، ونسأله المزيد من فضله، ونعوذ به من سخطه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عز جاره، وجلّ ثناؤه، وتقدست أسماؤه، لا يذل من والاه، ولا يعز من عاده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ خاف على أمته الدنيا فحذرهم من فتنتها، وكشف لهم حقيقتها، وبين لهم أنها متاع الغرور، فلا يغتر بزخرفها إلا مغرور؛ فكان لأمته ناصحاً أميناً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ احتقروا الدنيا فجاءتهم تحت أقدمهم، واعتزوا بدينهم فذلت أمم الأرض لهيبتهم، وملَّكهم الله تعالى مشارقها ومغاربها؛ فرفعوا الظلم، وبسطوا العدل، وحكموا بالشريعة، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأسلموا له وجوهكم، وأخلصوا له دينكم، ولا تغرنكم الدنيا وما فيها من زينة ومتاع (إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ) [لقمان:33].

أيها الناس: من سنة الله تعالى في عباده أنه سبحانه يبوئ أهل الإيمان إمامة البشر، ويرفعهم إلى مراقي الكرامة والعزة، ويظهرهم على غيرهم، وينصرهم على أعدائهم، ولو كانوا أقل من غيرهم (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249] وتاريخ المعارك يثبت غلبة أهل الإيمان ولو كانوا أقل عدداً وأضعف عدة.

ولكن هذا القانون الرباني القدري له أسباب شرعية لا يتحقق إلا بها، وهذه الأسباب تتمثل في إقامة دين الله تعالى، وأخذه كاملاً دون تجزئة ولا انتقاء.

وغالب ما يحصل من ترك الدين أو بعضه سببه الهوى، والهوى يكون في الناس بسبب الافتتان بالدنيا وزينتها، وتعظيم حظوظ النفس وشهواتها؛ ولذا كان تقديم الآخرة على الدنيا أهم سبب للتوفيق والنصر والعزة، كما كان التعلق بالدنيا أهم سبب للخذلان والذل والهزيمة، والوحي والتاريخ والواقع المعاصر كلها تشهد بهذه الحقيقة التي ينبغي أن لا يجادل فيها مجادل.

أما الوحي فقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7] فجعل -سبحانه- نصره لعباده وتأييده لهم مشروطاً بنصر دينه وإقامته في الأرض، وجعله حكماً على الناس.

وأما التاريخ فما عزَّ الصحابة -رضي الله عنهم- ولا انتصروا هم ومن بعدهم من قادة المسلمين وجندهم على أعتى أمم الأرض بعدة ولا عتاد، وإنما بإيمانٍ ملأ قلوبهم، فأزاح منها الدنيا وزينتها وملذاتها؛ فما وقفت أمامهم قوة.

ولما حاصر المسلمون بلاد فارس وكان الفرس أقوى أمة آنذاك جرت لقاءات ومفاوضات بين قادة المسلمين وقادة فارس أراد رستم أن يظهر قوة الفرس وغناهم أمام ضعف العرب وفقرهم، فأمر بفرش البسط والنمارق، ووضع له سرير من ذهب، وأحاط به حاشيته وهم في كمال زينتهم وأبهتهم وسلاحهم؛ فتعاقب ثلاثة من المفاوضين المسلمين على رستم يفاوضونه؛ فما غرتهم دنيا الفرس، ولا نظروا إليها إلا نظرة ازدراء واحتقار، فكان أولَ الداخلين ربعيُ بن عامر دخل بفرسه يطأ بها بسطهم ووسائدهم، حتى ربط فرسه ببعضها، ونزل يتكئ بسيفٍ لم يجد له غمداً فلفه بخرقة، حتى بلغ سرير رستم، وجلس على الأرض ولم يجلس على زينتهم؛ عزة وإباءً، وبلّغه بما جاء به.

وفي اليوم الثاني جاء للمفاوضة سعد بن حذيفة بن محصن ورفض النزول عن فرسه حتى بلغ بها سرير رستم فكلمه برسالته وهو على فرسه.

وفي اليوم الثالث جاءهم المغيرة بن شعبة فجلس مع رستم على سريره غير آبه به، فهرع إليه جنده حتى أنزلوه، فعرض رستم على المغيرة شيئاً من الدنيا له وللمسلمين؛ ليرجعوا عن غزو فارس، ولكن المغيرة عرض عليه الإسلام أو الجزية أو السيف بكل عزة وإباء.

فما غرَّت جند الإسلام بهرجة فارس ودنياها وقوتها وغناها؛ لأن الدنيا ما كانت في قلوبهم، فسقطت بلاد الفرس في أيديهم، ونقل ذهبها إلى المدينة.

وأما الواقع فإن الأعداء ما تمكنوا من المسلمين في العصور المتأخرة، ولا ضاعت الحقوق، واحتلت البلدان، ونهبت الثروات، وامتهنت الكرامة - إلا بعد أن عظمت الدنيا عند كثير من المسلمين، وتمكنت من قلوبهم، فتنافسوها واختلفوا عليها، واقتتلوا من أجلها، ووجد الأعداء مداخل عليهم من قِبَلِها؛ حتى كان في المسلمين من خان دينه وأمته ووطنه وأهله لمصلحة أعدائه من أجل شيء من الدنيا.

ووقع ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته حين أقسم فقال: "فَوَ الله لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ على من كان قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ" رواه الشيخان، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: "تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ" رواه مسلم.

إن الله -عز وجل- جعل الذل والهوان في الكافرين (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكَافِرِينَ) [الأنفال:18] ونهى المؤمنين عن الهوان؛ لأنهم الأعلون (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139] ونهوا عن الهوان؛ لأن الله -تعالى- معهم (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ) [محمد:35]، ولأنهم يرجون ثواب الله -تعالى-، وغايتهم الآخرة وليست الدنيا (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ القَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لَا يَرْجُونَ) [النساء:104]، ولأنهم يعلمون أن الله -تعالى- يحب الثابتين على دينه، الصابرين في مواجهة أعدائه (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:146].

إن من تعلق قلبه بالدنيا أخلد إلى الأرض، ورضي بالذل، وأصابه الهوان والخذلان ولو كان مؤمناً، وقد عاتب الله تعالى من أقعدهم حبُّ الدنيا عن الهجرة إليه، والجهاد في سبيله، والتضحية لدينه، وتوعدهم على ذلك (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ) [التوبة:24] ولا يعوق عن النفير في سبيل الله تعالى، وابتغاء مرضاته إلا حب الدنيا كما في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة:38].

وهو واقع المسلمين اليوم. والهزيمة التي حاقت بالفئة المؤمنة في أحد إنما كان سببها حب الدنيا المتمثل في الغنائم؛ ونجد في الآيات التي عرضت للهزيمة في أحد قول الله تعالى: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ) [آل عمران:152].

وجاء في السنة النبوية ما يدل على أن حب الدنيا يقود إلى أكل الحرام، والرضى بالملذات، وهجر مواطن العزة والإباء، فتضرب الذلة والهوان على الأمة بسبب ذلك؛ كما في حديث ابن عُمَرَ قال سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حتى تَرْجِعُوا إلى دِينِكُمْ" رواه أبو داود.

ومهما بلغت كثرة المسلمين وعدتهم فلن تنفعهم شيئاً إذا امتلأت قلوبهم بحب الدنيا والإخلاد إليها؛ كما في حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا فقال قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فقال قَائِلٌ: يا رَسُولَ الله، وما الْوَهْنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" رواه أبو داود.

فبان بذلك أن من أعظم أسباب الذل والهوان والخذلان حب الدنيا، وتعلق القلوب بها، والإخلاد إلى زخرفها وزينتها، وقد قال الله تعالى عن الكفار (وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) [الرعد:26] وقال العبد الصالح يحذر قومه (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآَخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ) [غافر:39].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

والحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أمابعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [البقرة:223].

أيها المسلمون: هوان الدنيا وحقارتها عند أسلافنا، وعدم اغترارهم بها هو السبب الأهم بعد إيمانهم لعزتهم وأنفتهم وقوتهم، فذلت لهم الدنيا، وخضع أهلها تحت حكمهم.

إن استرخاص الدنيا وملذاتها هو الذي جعل أبا بكر رضي الله عنه يقدم ماله كله، وعمر رضي الله عنه قدم نصفه، وعثمان رضي الله عنه جهز جيش العسرة، ومصعب بن عمير رضي الله عنه ترك النعيم بمكة ليلحق بدار الهجرة فيعيش فقيراً ويقتل في أحد فقيراً، فلا يجدون له كفناً كاملاً، وبهذه النفوس الكبيرة عز المسلمون، وانتشر الإسلام في الأرض.

وإن استعظام أمر الدنيا، والغرق في ملذاتها، والغرور بزينتها هو الذي أضاع الأندلس يوم ضاعت، وهو السبب في تسلط الصليبيين في القرن الخامس فاحتلوا بيت المقدس تسعين سنة، وهو الذي بسببه سُلط التتر حتى استباحوا دار الخلافة الإسلامية. وبسبب حب الدنيا ضُرب الاستعمار على جُلِّ بلاد المسلمين، وسقطت حواضر الإسلام في أيدي الأعداء، وبسبب حب الدنيا وما فيها من جاه ومال نشأت العصبيات العرقية في المسلمين، وكان الولاء لها أعظم من الولاء للدين، ففاخر كل جنس بجنسه، وعلى إثر ذلك مزقت دولة الإسلام العظيمة، وفرقت إلى دول صغيرة يحرش الأعداء بينها.

إن حب الدنيا أدى إلى خذلان الإخوان، وممالأة الأعداء، وبيع الأوطان، واليهود ما كان لهم أن ينجحوا في احتلال فلسطين والبقاء فيها إلى الآن لولا خيانة العرب بعضهم بعضاً في الحرب وفي السلم، وكل ذلك بسبب حب الدنيا، وكل بلاد المسلمين التي احتلت في القديم والحديث ما كان للأعداء أن يستولوا عليها لولا الخيانات، والخونة دائماً مع من يدفع لهم أكثر، فكان حب الدنيا هو حجر الأساس في ذلك كله.

وحوصرت غزة حصاراً طويلاً شديداً ثم دكت بالقنابل والصواريخ وأحرقت، وتوصلت لجان دولية إلى إدانة اليهود في تلك الجريمة، وشهد بعض العرب على ذلك، وطالبوا بالتحقيق والعقاب لولا أن اليهود لوحوا بكشف أوراقهم التي تثبت تورط بعض العرب بتأييد هذه الجريمة ومعونة اليهود فيها على إخوانهم، فانقلب بعض العرب يدافعون عن اليهود، ويجعلون الضحايا مدانين.

ومع هذا الخذلان العظيم فإنه لا يستبعد أبداً أن يبيع بعض العرب القدس وأهلها ومسجدها المبارك لليهود بعرض من الدنيا؛ ليقيموا على أرضها المباركة أحلامهم التوراتية..

ويتمادى حب الدنيا بصاحبه حتى لا يُبقي له ديناً ولا دنيا، وإن أهم سبب لخذلان المسلمين في عصرنا هذا وضعفهم وهوانهم وذلتهم على مستوى الأفراد والدول هو حب الدنيا، وتعلق القلوب بزينتها، وصدق الحسن البصري رحمه الله تعالى حين قال: "حب الدنيا رأس كل خطيئة" ولو أيقن المسلمون بحقيقة الدنيا، وعملوا بمقتضى يقينهم فيها؛ لما جعلوها أكبر همهم، ولا غاية قصدهم؛ فإنها إلى زوال، وإن الآخرة هي دار القرار (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء:205-207].


قالوا وقالوا في الطيبة والبشاشة ,,,


لا تقاس الطيبة ببشاشة الوجه ..فهناك قلوب تصطنع البياض ..فهناك من يجيد تصنع الطيبة ..ويخبئ بين زواياه خبثاً وريبة ..لا يقاس الجمال بالمظهر ..ومن الخطأ الاعتماد عليه فقط ..فقد يكون خلف جمال المظهر قبح جوهر ..لا تقاس حلاوة الإنسان بحلاوة اللسان ..فكم من كلمات لطاف حسان ..يكمن بين حروفها سم ثعبان ..فنحن في زمن اختلط الحابل بالنابل ..في زمن صرنا نخاف الصدق ..ونصعد على أكتاف الكذب ..
لا يقاس الحنان بالأحضان ..هناك من يضمك بين أحضانه ..ويطعنك من الخلف بخنجر الخيانة ..والفرق شاسع و مدفون ..بين المُعلن والمكنون ..لا تقاس السعادة بكثرة الضحك ..هناك من يلبس قناع الابتسامة ..وتحت القناع حزن دفين وغصات ألم وأنينلا تقاس الحياة بنبض القلوب ..فهناك من قلبه تعفن داخل أضلعه ..وهناك من مات ضميره وودعه ..وعلى الضفة الأخرى آخر كتمت أنفاسه ..وثالث قتل إحساسه مقبرته ..في عينيه شاهد حزن عليه ..لا يقاس البياض بالنقاء ولا السواد بالخبث ..فالكفن أبيض والكحل لونه أسود ..وبينهما يسكن الفرق ..لا تقاس العقول بالأعمار ..فكم من صغير عقله بارع ..وكم من كبير عقله خاوي فارغ ..لا تقيسوا محبتكم بحجم حروفي ..فما يحمله قلبي يعجز عن نثره قلمي ..وما يسكبه مداد حبري ..قليل من كثير في دمي يجري ..يــا قـارئ خـطـي لا تـبـكـي عـلـى مـوتـي فـا الـيـوم أنا مـعـك وغـدا ً فـي الـتـراب ..فإن عـشـت فـإنـي مـعـك وإن مـت فتبقى الذكرى .. ويا مـاراً على قـبري لا تـعـجب مـن أمـري ..بالأمـس كـنـت مـعـك وغـدا ً أنـت مـعـي .عاشر الناس معاشرة إن أحببتهم حنوا عليك وان مت بكوا عليك وعاملهم ليس لأنهم كرماء بل لأنك أنت كريم ...
 أبو انس/ أبو علي

فلنكن خير الناس ولا نكون شر الناس

....  إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: {يا أيُّها الذين آمنُوا اتقُوا الله حقّ تُقاته ولا تمُوتُنّ إلا وأنتُم مُّسْلمُون} سورة آل عمران: (102).
{يا أيها النّاسُ اتقُواْ ربّكُمُ الّذي خلقكُم مّن نفْس واحدة وخلق منْها زوْجها وبثّ منْهُما رجالا كثيرا ونساء واتقُوا الله الّذي تساءلُون به والأرْحام إنّ الله كان عليكُمْ رقيباً} سورة النساء الآية الأولى.
{يا أيُّها الّذين آمنُوا اتقُوا الله وقُولُوا قوْلا سديداً* يُصْلحْ لكُمْ أعْمالكُمْ ويغْفرْ لكُمْ ذُنُوبكُمْ ومن يُطع الله ورسُولهُ فقدْ فاز فوْزاً عظيماً} سورة الأحزاب: (70، 71).
أما بعد؛
فإنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة.
خير الناس هم من اختارهم الله جلاله لهداية خلقه، وهم أنبياءُ الله ورسله، عليهم الصلاة والسلام فعندما ذكر سبحانه جمعا منهم قال: {.. وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 83 - 86]
والأنبياء والرسل هناك تفاضل بينهم، {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253] {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55]
وأفضل هؤلاء هم الخمسة أولو العزم، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: 7] {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } [الأحقاف: 35] ثم يأتي بعدهم في التفضيل والخيرية أتباعهم وأنصارهم ومن آمن بهم.
لكن أفضلَّ الناس وخيرَ الرسل والأنبياء هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلاَّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلا فَخْرَ» ...، سنن الترمذي (3148) وزاد ابن ماجه (4308): «.. وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، وَلا فَخْرَ، ..».
و«خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَخَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ» ابن ماجه عن على رضي الله تعالى عنه (106).
ثم سائر العشرة المبشرين بالجنة، وآل بين النبوة والسابقين السابقين، لقد جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ المُسْلِمِينَ" أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، "قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ المَلاَئِكَةِ". صحيح البخاري عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ (3992).
وعلى العموم؛ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم والأتباع والتبع هم خير القرون، فقد قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ».. صحيح البخاري (2652) ومسلم (2533)
إنكم «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ، إِذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً، وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَيَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ» كما في صحيح البخاري (3493، 3494) ومسلم (2526).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ؟ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَلا أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي يَتْلُوهُ؟ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِيهَا. أَلا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ؟ رَجُلٌ يُسْأَلُ بِاللَّهِ وَلا يُعْطِي بِهِ» سنن الترمذي (1652)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ» سنن الترمذي (2329) صحيح الترغيب (3/ 170) (3364).
أما في المعاملات؛ فخير الناس من عنده السماحة في بيعه وشرائه، وحسن القضاء والاقتضاء في دين وقرضه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَاضَاهُ بَعِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطُوهُ»، فَقَالُوا: مَا نَجِدُ إِلا سِنًّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطُوهُ، فَإِنَّ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَحْسَنَهُمْ قَضَاءً». صحيح البخاري (2392). وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى». صحيح البخاري (2076).
وعَنِ السَّائِبِ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتَ شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكُنْتَ خَيْرَ شَرِيكٍ، لا تُدَارِينِي، وَلا تُمَارِينِي» ابن ماجه (2287) والمراد أنه كان شريكا موافقا لا يخالف ولا ينازع.
والمؤمنون لا بد أن تكون بينهم المودة والألفة والائتلاف، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» المعجم الأوسط (6/ 58) (5787) الصحيحة (426).
والأخلاق الحسنة تجلب الخيرية لصاحبها ففي الحديث: "خير الناس أحسنهم خلقا". رواه الطبراني (رقم 13326)، الصحيحة (1837)
و«خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ تَنَحَّى عَنْ شُرُورِ النَّاسِ» الصحيحة (ج5 ص 329)
انظروا إلى خير الناس، إلى خير المسلمين، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: "ذُو الْقَلْبِ الْمَخْمُومِ، وَاللِّسَانِ الصَّادِقِ"، قُلْنَا: فَقَدْ عَرَفْنَا الصَّادِقَ، فَمَا ذُو الْقَلْبِ الْمَخْمُومِ؟ قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الَّذِي لا إِثْمَ فِيهِ وَلا حَسَدَ "، قُلْنَا: فَمَنْ عَلَى أَثَرِهِ؟ قَالَ: "الَّذِي يَشْنَأُ =أي يكره= الدُّنْيَا وَيُحِبُّ الآخِرَةَ "، قَالُوا: مَا نَعْرِفُ هَذَا فِينَا إِلاَّ رَافِعٌ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ عَلَى أَثَرِهِ قَالَ: "مُؤْمِنٌ فِي خُلُقٍ حَسَنٍ"، قَالُوا: أَمَّا هَذِهِ فَإِنَّهَا فِينَا. شعب الإيمان (9/ 6) (6180) صحيح الترغيب (3/ 71) (2931)..
وإذا نظرنا إلى الأمراء والمسئولين فمن خيارهم ومن شرارهم؟ عَنْ عُمَرَ ابْنِ الخَطَّابِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِ أُمَرَائِكُمْ وَشِرَارِهِمْ؟ خِيَارُهُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتَدْعُونَ لَهُمْ وَيَدْعُونَ لَكُمْ، وَشِرَارُ أُمَرَائِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ». صحيح الجامع (1201) مختصر مسلم 1228 عن عوف بن مالك.
وبيَّن صلى الله عليه وسلم لأمته مَن شرُّ الناس مكانة؟ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِشْرِ النَّاسِ مَنْزِلاً؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «رَجُلٌ يُسْأَلُ بِاللَّهِ وَلا يُعْطِي». مسند أبي داود الطيالسي (4/ 382) (2783) الصحيحة (255).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى نَاسٍ جُلُوسٍ، فَقَالَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ؟»قَالَ: فَسَكَتُوا، فَقَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِخَيْرِنَا مِنْ شَرِّنَا، قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، وَشَرُّكُمْ مَنْ لا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلا يُؤْمَنُ شَرُّهُ»: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. سنن الترمذي (2263)، المشكاة (4993).
ألا واعلموا أن خير المسلمين «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» صحيح مسلم (40).
و«خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله». الروض النضير 926، المشكاة 5285.
الخيرية تكون للأهل والزوجات والأولاد والأقارب قبل غيرهم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» ابن ماجه (1977) صحيح الجامع (3314) الصحيحة (285).
و«خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ وَرَدَّ السَّلامَ». صحيح الجامع (3318).
«خيركم من تعلم القرآن وعلمه». صحيح الجامع (3319)، المشكاة (2109).
وشرُّ الناس من اتقاه الناس خوفا من تسلطه وجبروته، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ». فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ؛ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ! مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ». صحيح البخاري (6032).
والمحبة على الرفقة والصحبة توجب الفضل والخيرية، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَحَابَّ الرَّجُلانِ إِلاَّ كَانَ أَفْضَلُهُمَا أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ". صحيح الأدب المفرد (ص: 205) رقم (544).
و«إن أعظم الذنوب عند الله؛ رجل تزوج امرأة، فلما قضى حاجته منها طلقها، وذهب بمهرها، ورجل استعمل رجلا فذهب بأجرته، وآخرُ يقتل دابةً عبثا». صحيح الجامع (702)، الصحيحة (999). فكيف بمن يخرب ممتلكات الناس، ويدمر أموالهم، ويعبث بأعراضهم؟؟
و«إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما: من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته» . صحيح الجامع (703) ورمز له: (حم ق د) عن سعد.
و«إن أعظم الناس عند الله فرية: لرجل هاجى رجلا؛ =أي ذكره بصفات سيئة= فهجا القبيلة =أي ذمها= بأسرها، ورجل انتفى من أبيه وزَنَّى أمَّه». صحيح الجامع (704)، ورمز له (هـ هق) عن عائشة. الصحيحة (763).
و«إن أفضل عباد الله يوم القيامة: الحمادون». صحيح الجامع (1571) ورمز له: (طب) عن عمران بن حصين. الصحيحة (1584). أي دائمو الحمد على السراء والضراء.
و«تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ». صحيح البخاري (6058) ومسلم (2526) وهم الخون والمغتابون والنمامون.
وفي العقائد من هم شر الناس؟
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» صحيح البخاري (427). ومسلم (528).
إن الذين يقرءون القرآن ولا يعملون بما فيه، بل يخالفونه بآرائهم وأهوائهم هم من الأشرار، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي، أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ». سنن ابن ماجه (170)
 ... سمات خيار المسلمين ظاهرة، وصفاتهم بادية، رؤويتهم تذكر بالله، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟". قَالُوا: بَلَى! قَالَ: "الَّذِينَ إِذَا رُؤوا ذُكِرَ اللَّهُ، أَفَلا أخبركُم بِشِرَارِكُمْ؟". قَالُوا: بَلَى! قَالَ:"الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، المفسدون بين الأحبة، الباغون بالبراء العنَتْ". صحيح الأدب المفرد (ص: 133) رقم (323).
أما كثرة الكلام والثرثرة والتشدق فهي من صفات الأشرار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"شِرَارُ أُمَّتِي الثَّرْثَارُونَ، الْمُشَّدِّقُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ، وخيار أمتي أحاسنهم أخلاقاً". صحيح الأدب المفرد (ص: 496) رقم (1308). ما أكثر الأشرار واللئام في هذا الزمان على وسائل الإعلام وفي الميادين العامة والخاصة، "إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يطلبون ألوان الطعام، وألوان الثياب، يتشدقون بالكلام". أخرجه أحمد في " الزهد " (ص - 77) وابن أبي الدنيا في " الجوع " (ق 9/ 1) انظر السلسلة الصحيحة (1891)
إنها "ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، =أي الشام=، ويبقى في الأرض شرار أهلها، تلفظُهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير".
أخرجه أبو داود (1/388- جهاد)، والحاكم (4/ 486- 487)، ..وأحمد (2/84 و 198- 199و209)..، السلسلة الصحيحة (3203).
عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ: "يَأْتِي الدَّجَّالُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ، بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ؛ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَقْتُلُهُ؟ فَلاَ أُسَلَّطُ عَلَيْهِ" صحيح البخاري (1882) ومسلم (2938)
وقَالَ عَبْدُ اللهِ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ، هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، لا يَدْعُونَ اللهَ بِشَيْءٍ إِلاَّ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، فَقَالَ لَهُ مَسْلَمَةُ: يَا عُقْبَةُ، اسْمَعْ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ عُقْبَةُ: هُوَ أَعْلَمُ، وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَجَلْ! «ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ؛ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ، فَلا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الإِيمَانِ إِلاَّ قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ».صحيح مسلم (1924).
وعَنِ الأَشْعَرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: تَعْلَمُ الأَيَّامَ الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الهَرْجِ؟ ... قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكْهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ» صحيح البخاري (7067).
"اللهم توفنا مَعَ الأَبْرَارِ، وَلا تُخَلِّفْنا فِي الأشرار، وألحقنا بالأخيار".
"ربنا أصلح بيننا، واهدنا سبل الإِسْلامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَاصْرِفْ عَنَّا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهْرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ، مُثْنِينَ بِهَا، قَائِلِينَ بِهَا، وأتممها علينا".
"جَعَلَ اللَّهُ عَلَينا صَلاةَ قَوْمٍ أَبْرَارٍ، لَيْسُوا بِظَلَمَةٍ وَلا فُجَّارٍ، يَقُومُونَ الليل، ويصومون النهار".

المصائب الدنيوية ابتلاء



المصائب الدنيوية ابتلاء
فيها تُمحَى الخطايا وترفع الدرجات
الحمد لله ريّ العالمين ...
الإنسان خلق للابتلاء والاختبار، قال سبحانه: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان: 2)، وبعض الناس يظن أن الابتلاء بالنعم كرامة، والابتلاء بالفقر إهانة، {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كلاَّ} (الفجر: 15، 16)، فـ{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء: 35) والابتلاء ما هو إلا تمحيص لإظهار الصابرين من غيرهم، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (محمد: 31)
لذا ابتلي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فابتلى آدم بالأكل من الشجرة، وابتلى إبراهيم بكلمات فأتمهن، وابتلى طَالُوت وجُنُوده بِنَهَرٍ، {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء: 87، 88)، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} (المؤمنون: 30)
أما الصحابة رضي الله تعالى عنهم فقد ابتلاهم بالغزوات وغيرها، {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} (الأحزاب: 11)
والناس في ابتلاء ما داموا في هذه الحياة الدنيا وعلى هذه الأرض، {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الكهف: 7)
ومن أنواع الابتلاء الخوفُ والجوعُ والموتُ ونحو ذلك، وما فاز إلا الصابرون: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 155 - 157)
فالتقوى والصدقُ تتغلب على الابتلاء بشتى أنواعه؛ من تعب وظمإٍ ونحوه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ * مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (التوبة: 119 - 121)والابتلاء ليس نوعا واحدا على الناس، ولكنه أنواع كثيرة مختلفة، منهم من يبتلى بالهم والحزن والشوك فهؤلاء لهم أجرهم وثوابهم، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» البخاري (5641) ومسلم (2573)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (النساء: 123) بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَارِبُوا، وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا» مسلم (2574).ومنهم من يبتلى بالفقرِ وقلَّةِ الشيء فـ«ـأشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر، حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها، فيلبسها، ويبتلى بالقمل، حتى يقتله، ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء؛ من أحدكم بالعطاء». صحيح الجامع (995) ورمز له (هـ ع ك) عن أبي سعيد. والصحيحة (144) ابن سعد.
ومنهم من يبتلى بالأمراض حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ» قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ!» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ، فَمَا سِوَاهُ إِلا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». مسلم (2571)
فالابتلاء بالحمى يذهب الخطايا والذنوب، عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟» قَالَتْ: الْحُمَّى؛ لا بَارَكَ اللهُ فِيهَا. فَقَالَ: «لا تَسُبِّي الْحُمَّى! فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ؛ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ». مسلم (2575)
وهناك الابتلاء بالمس والصرع والوساوس، عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى! قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: (إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي!) قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ». قَالَتْ: (أَصْبِرُ). قَالَتْ: (فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ؛ فَادْعُ اللهَ أَنْ لا أَتَكَشَّفَ). فَدَعَا لَهَا. مسلم (2576). «إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالسُّقْم؛ حتى يكفرَ عنه كل ذنب». صحيح الجامع (1870) ورمز له (طب) عن جبير بن مطعم (ك) عن أبي هريرة. الترغيب (4/153).
ومن ابتلي بفقد البصر فثوابه الجنة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ" يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ، البخاري (5653).
وفي رواية عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ الله: يا ابن آدم! أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْكَ. فَصَبَرْتَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ وَاحْتَسَبْتَ، لَمْ أَرْضَ لَكَ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ". صحيح الأدب المفرد (415/535)، (حسن صحيح).
والصداع والحمى من الابتلاء، فمن لم يصبه ذلك أبدا فليُخْشَ عليه من النار! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ أَخَذَتْكَ أُمُّ مِلْدَمٍ؟". قَالَ: وَمَا أُمُّ مِلْدَمٍ؟! قَالَ: "حَرٌّ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ". قَالَ: لا! قَالَ: "فَهَلْ صُدِعْتَ؟" قَالَ: وَمَا الصُّدَاعُ؟ قَالَ: "رِيحٌ تَعْتَرِضُ فِي الرَّأْسِ، تَضْرِبُ الْعُرُوقَ". قَالَ: لا! قَالَ: فَلَمَّا قَامَ قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ" أَيْ: فَلْيَنْظُرْهُ. صحيح الأدب المفرد (ص: 186)(381/495).وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا اشْتَكَى الْمُؤْمِنُ، =أي مرض=؛ أَخْلَصَهُ اللَّهُ كَمَا يُخَلِّصُ الْكِيرُ خبث الحديد". صحيح الأدب المفرد (382/497).و[عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَمْرَضُ، إِلا كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ".
وعن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِن مُسلمٍ ابتَلاهُ اللَّهُ فِي جَسدهِ؛ إِلا كَتبَ لَه مَا كَانَ يَعملُ فِي صِحتهِ، مَا كَان مَريضاً، فَإِنْ عَافاهُ -أَراهُ قَال:- عَسَلَهُ، وإِن قَبَضهُ غَفرَ لَه"... =و(العَسْل: طِيبُ الثَّنَاء، مأخُوذٌ مِنَ العَسَل) النهاية في غريب الحديث والأثر=.وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَال: جَاءت الحُمَّى إِلى النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقالتْ: (ابعَثنِي إِلى آثَرِ أَهلِكَ عِندكَ). فَبعثَها إِلى الأنصَارِ، فَبقِيتْ عليهِم سِتةَ أَيامٍ ولَيالِيهِنَّ، فَاشتَد ذلَك عَليهم، فَأتاهُم فِي دِيارِهم، فَشكُوا ذّلِك إِليهِ، فَجعل النبيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدخلُ دَارًا دَارًا، وبَيتاً بَيْتًا؛ يَدعُو لَهم بِالعَافِيةِ، فَلما رَجعَ تَبعتَهُ امرأةٌ مِنهُم، فَقالت: (وَالَّذِي بَعثك بالحَقِ! إِني لَمنَ الأنصَار، وإنَّ أَبي لَمِنَ الأنصَارِ، فَادع اللَّهَ لِي كَما دَعوتَ للأنَصارِ). قَال: "مَا شِئتِ؛ إِن شِئتِ دَعوتُ اللَّهَ أَن يُعافِيَك، وإِن شِئتِ صَبرتِ ولَكِ الجنَّة" قَالَتْ: (بَل أَصبِر، ولا أَجعلُ الجَنةَ خَطَراً). الصحيحة (2502).وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: (مَا مِن مَرضٍ يُصيبُني أَحبُ إِليَّ مِن الحُمَّى؛ لأنَّها تَدخُلُ فِي كُل عُضو مِني، وَإِنَّ اللَّهَ عَز وجَل يُعطي كُل عُضوٍ قِسطَهُ مِن الأجْرِ). صحيح الإسناد, وكذا قال الحافظ (10/110)] الأحاديث من صحيح الأدب المفرد (500- 503).وعلى العبد المؤمن ألاّ يتسخَّطْ من المرض ولا ييأس من المصيبة، ويؤمِّنَ على دعاء الزائرين له بالخير ولا يردَّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ. قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يعوده؛ قال: "لا بَأْسَ عَلَيْكَ، طَهور إِنْ شَاءَ اللَّهُ". قَالَ: قَالَ الأَعْرَابِيُّ: (ذَاكَ طَهُورٌ؟! كَلا)؛ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ (أَوْ تَثُورُ)، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، كَيْمَا تُزِيرُهُ الْقُبُورَ!. قَالَ (النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم): "فنعم إذاً". صحيح الأدب المفرد (ص: 194) (399/514).وقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ؛ ابْتَلاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زَادَ ابْنُ نُفَيْلٍ: «ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ -ثُمَّ اتَّفَقَا- حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى». سنن أبي داود (3090). وانظر الصحيحة (2599).والآن؛ لنضربْ مثالا على الصبر على أنواع من الابتلاء؛ من النصب والصخب والتعب، فقوبل ذلك بالصبر والمصابرة، والثبات والمعاونة والمساعدة، فكان الأجر والمثوبة في الجنة، إنها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها وأرضاها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ؛ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ؛ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ" البخاري (3820) ومسلم (2432).ألا واعلموا أن الابتلاءَ على حسب دين المرء في الشدة والرقة، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاء، ثمَّ الأمثلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ؛ فَإِنْ كَانَ صَلبا فِي دينه اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ هُوِّنَ عَلَيْهِ، فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى يَمْشِيَ على الأَرْض مَال ذَنْبٌ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حسن صَحِيح، والإيمان لابن تيمية (ص: 62).
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه مشكاة المصابيح (1566). فـ«.. مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». البخاري (5667) ومسلم (2571).ألا واعلموا أنه «لا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ أَوِ الْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح ومشكاة المصابيح (1567). والمصائب والمنايا كثيرة قد تربو على المائة، إن أخطأتك واحدة أصابتك الأخرى، فعَن عبد الله بن الشِّخِّير قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُثِّلَ ابْنُ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً؛ إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا، وَقَعَ فِي الْهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حسن غَرِيبٌ، وحسنه في مشكاة المصابيح (1569)عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، أَنَّهُ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِ دِمَشْقَ وَهَجَّرَ بِالرَّوَاحِ، فَلَقِيَ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَالصُّنَابِحِيُّ مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدَانِ يَرْحَمُكُمَا اللهُ؟ قَالا: نُرِيدُ هَاهُنَا إِلَى أَخٍ لَنَا مَرِيضٍ نَعُودُهُ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتَّى دَخَلا عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالا لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ بِنِعْمَةٍ. فَقَالَ لَهُ شَدَّادٌ: أَبْشِرْ بِكَفَّارَاتِ السَّيِّئَاتِ، وَحَطِّ الْخَطَايَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: (إِنِّي إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنًا، فَحَمِدَنِي عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنَ الْخَطَايَا). وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: (أَنَا قَيَّدْتُ عَبْدِي، وَابْتَلَيْتُهُ، فَأَجْرُوا لَهُ كَمَا كُنْتُمْ تُجْرُونَ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ". رَوَاهُ مسند أحمد ط الرسالة (28/ 343) (17118)، انظر مشكاة المصابيح (1579)، والصحيحة (2009). يا عبد الله! إذا ابتليت فلا تشكو اللهَ إلى عباده، حتى يعوضك خيرا مما أصابك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي الْمُؤْمِنَ فَلَمْ يَشْكُنِي إِلَى عُوَّادِهِ؛ أَطْلَقْتُهُ مِنْ أُسَارِيَّ، ثُمَّ أَبْدَلْتُهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ، وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ، ثُمَّ يسْتَأْنَفُ الْعَمَلَ)". السنن الكبرى للبيهقي (3/ 525) (6548) صحيح الجامع (4301)، والصحيحة (272).وإذا ابتلي العبد بالإسهال أو مرض من أمراض البطن، فسيعفى من عذاب القبر، فـ«مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ لَمْ يُعَذَّبْ فِي قَبْرِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وحسنه في مشكاة المصابيح (1573).وَمن الابتلاء موت المهاجرين في غير بلادهم وخارج أوطانهم، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا لَيْتَهُ مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ» . قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ». رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وانظر مشكاة المصابيح (1593).وهناك ابتلاء الشعوب والرعايا بظلم الحكام والأمراء عن ابْن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ؛ إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». البخاري (7054ويُبتلى الحكام والأمراء بتطاول شعوبهم ورعاياهم: عَنِ الحَسَنِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ». البخاري (7150) ومسلم (142).
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلا مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟» قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «ادْفَعْهُ إِلَيْهِ» ، فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ، فَجَرَّ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ، فَقَالَ: «لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلاً، أَوْ غَنَمًا، فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ، وَتَرَكَتْ كَدْرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ، وَكَدْرُهُ عَلَيْهِمْ». مسلم (1753).
...  ولا يستريح العبد المؤمن من الدنيا وما فيها إلا بالموت، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» البخاري (6512)، ومسلم (950).
التعب والنصب يتلاشى عن المتقين في الآخرة، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ* وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ* لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ* نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} (الحجر: 45 - 50)والحزن والمصائب معدومة على هذه الأمة في الآخرة، {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ* وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ* الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} (فاطر: 32 - 35)أما أهل الصحة والعافية في الدنيا وماتوا ولم تصبهم مصيبة ولا مرض، فيتمنون أن لَو عُذِّبوا في دنياهم؛ لما يروا من ثواب المبتلين، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوَابَ؛ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ =أي قُطِّعت= فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وحسنه في مشكاة المصابيح (1570)."اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خشيتك ما تحول به بَيْنَنا وبَيْنَ مَعاصِيكَ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقين ما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنا مَصَائبَ الدُّنْيا، اللَّهُمَّ مَتِّعْنا بأسْماعنا وأبْصَارِنا وَقُوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجْعَلْهُ الوَارِثَ منَّا، وَاجْعَلْ ثأْرنا على مَنْ ظَلَمَنا، وانْصُرْنا على مَنْ عادَانا وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيا أكْبَرَ هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا، وَلا تُسَلِّط عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحمُنا".