لا للعتاب والندم ...



لا تندم على حب صادق أحببته، أو معاملة مخلصة عاملتها غيرك، ولا تندم على فعل خير قمت به، حتى ولو تبين أن من قدمت له كل هذا لا يستحق شيء منه، لا تحزن على ذلك ولو أصبح ذكرى مؤلمة، وتأكد أن ما تزرعه لابدّ وأن يأتي يوم تحصده، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، فإن ذبلت الزهرة وأصبحت شوكاً، فلا تنسى أنها قد متحت عطراً فواحاً ونسيماً عليلاً، أسعدك وتمتعت به. وأيضاً لا تقطع كل الطرق المؤدية إلى الصلح، ولا تحطم كل الجسور، فقد يقدْر الله اللقاء يوماً، ويعود ما مضى، ويتصل ما انقطع، ويزهر ربيع العمر ثانية، وتطل الحياة ببهجتها ووجهها الباسم عليك، بعد سنوات القطيعة والبعد؛ إذا قررت يوماً ما أن تترك صديقاً أو حبيباً، فلا تتركه والجروح تبطش في قلبه، والألم يعصف في جسده؛ لأنه في يوم من الأيام مكنك من قلبه، واهداك فؤاده، أبعد كل هذا نردّ له صنيعه بسهماً يغرس في فؤاده. وإن كان ولابدّ من الفراق والابتعاد، فلا تذكره إلا بخير، ولا تتذكر إلا جميل الأيام التي عشتماها، وحسن الصحبة، وطيب السيرة، فما كان يوماً بينكما من الحب والإحترام لابدّ وأن يحترم، وإلا فما فائدة العواطف والقيم الإنسانية، بل ما فائدة مشاعر الإنسان. وحينما تجلس وحيداً تائهاً مبعثراً بين ذكرى الأيام، بين الضحكات والهمسات، فلا تذكر إلا الطيب من الكلام، لا تذكر إلا صدق العبارات، ودعك من مشاعر الألم والأسى؛ ذلك لأنها لن تعيد غائباً، ولن تحيي ميتاً؛ عندما تجلس تذكر الصور الجميلة، تذكر مواساته لحزنك، وفرحه لفرحك، وتذكر ما استفدته من خلال صحبته ومرافقته، واستخلص العبر والدروس من التجربة. إذا شاء القدر يوماً وفرق بينكما، فلا تفشي سره، ولا تخرج شيء مما يكره أن يخرج، واحفظ الود الذي كان بينكما، وكن نعْم العشير الذي لا يخون ولا يغدر، فهو ما ائتمنك على سره إلا لحسن ظنه بك، ولإيمانه بأمانتك وإخلاصك، فلا تشوه صورتك أمام الآخرين، ولا تخن عهدك ووعدك لمن كان في يوم ما كل شيء في حياتك بالنسبة لك، والحب أخلاق قبل أن يكون مشاعر. وإذا شاء القدر واجتمعتما يوماً، فلا تبدأ بالعتاب، ونبش أوجاع الماضي؛ فالذي فات قد فات، والذي ذهب قد مضى وانتهى، فلا فائدة الآن من اللوم أو العتاب، بل هي فرصة لعودة الود والحب، ابدأ من آخر لحظة حب كانت بينكما؛ فلحظة اللقاء أجمل بكثير من ذكريات وداع موحش. لا تحاول البدء في تصفية الحسابات؛ فتصفية الحسابات سلعة رخيصة في سوف المعاملات العاطفية، والثأر ليست من أخلاق المحب، فلا تجعل من نفسك فارسا بلا حصان، وبلا أخلاق. وإن وجدت أن جميع الأبواب قد سدت، وجميع السبل قد تقطعت، وكل الطرق قد أغلقت، وأنه ليس هناك للعودة من سبيل، وأنه قد أغلق ذاك الباب بمفاتيح ألقاها في سراديب النسيان، ومتاهات الأحزان، عندها قف؛ لأن كرامتك أهم بكثير من فؤادك الجريح، وإن غطت دماءه كل هذا الكون الفسيح.



لا يا صديقي ..

ينحني الشجر خجلا مما فعلته بك ، ويبكي البحر اعتذارا لك ، وتتجمع الورد معا لأجلك ، وتبقى كلماتي قليلة عليك ، فتبدأ حروفي بالاجتماع للكتابة إليك ، معتذرة وتتمنى الرضا منك ، اشعر بان نار اعتذاري يحرق قلبي ، فاعلم انك ذاتي ، و اعلم انك الحاضر والمستقبل والماضي ، و بل كل حياتي ، أرسل مع كل كلمة عذري ، وأريد منك أن تتقبل ظرفي ، فحياتي بدونك أتعبتني ، ودمعي أصبح ينزف دون انتهاء ، وكأني أصبحت اعشق الحزن والدمع يهوي ، بعدك عني قد قام بذبحي ، وأصبحت بعالم به لوجدي ، سهم رميته عليك فأصابني ، ورصاصة تعتقد أنها قتلك ولكنها قتلتني ، وحنين وشوق يريدون بك أن يجمعني ، إن كنت بعذابي راضي ، فأرجوك أن لا تكون علي قاسي ، أعطيتك الحكم لتكون أنت القاضي ، أيها القاضي اسألني عن أسبابي ، قد أكون قد أخطئت وأصبحت غير مبالي ، ولكني للندم أصبحت اروي ، وأصبحت بدونها مجنون لا ادري ، ذكره أيها القاضي باشتياقي ، ذكره بأيام معه وأحلامي ، ذكره بألم الفراقي ، قل له أن يسمع إخباري ، وان لا ينسى أن يتفقد أحوالي ، ذكره بشخص كان قد ينادي عليه بحبيبي ، بل بيوم كان يقول له أنت فقد نصيبي ، ذكره بان حياتي لاشيء بدون حبيبي ، ذكره بتعب سهر الليالي ، ذكره بعد النجوم كل ليلة مع الأماني ، ذكره بانتظار له طال مع انتظاري ، انظر إلي صفاتي ، الم تكن من ضمنها حبي و طيبتي ، تمعن بكلماتي يا غالي ، ألا يهمك بعدي وجفاي ، الم يعد يهمك سؤالي ، لقد قلت لك يوما انك طبيبي ، وان معك لوحدك دوائي ، و أن وجودي معك شفائي ، وأنت ففط من تستطيع أن تداويني ، بدونك أصبحت بظلام طريقي ، و أصبح الحزن صديقي ، لشخص كان لي فرحتي ، كان دائما يحرم علي حزني ، اعلم بان حنينك وقلبك لن يسمحان لك عن الابتعاد عني ، بل انك تتألم مثل ألمي ، وان تريد الرجوع قبلي و وان حياتك مشابهة لحياتي ، حاول أن تضمد جرحك معي ، وان تتذكر شيء جميل مني ، دعنا نجرب حياتنا مرة أخرى ، دعنا نترك الأيام والليالي لتشفى ، دعنا نرسم الغد بحبنا ، دعك من كل حزن ودمع أتعبنا ، دعنا ندعو الأيام لتفرح معنا ، أخطئت وتعلمت من خطأي ، فلا تكن يوم بظالمي ، وتكون بي يوما لا تبالي ، فراعي بحور وشلالات بعيني ، انظر لروحك بداخلي ، انظر لتأنيب الضمير و ألام بصدري ، انظر إلى رجائي ، أخطئت وندمت وقدمت لك اعتذاري ، فلا تكون علي قاسي ، وتنسي كل الأيام الجميلة معي ، وتفضل حياة قاسية بدوني ، و نصبح أنا وأنت على أوتار عود نغني ، والدمع من عيوننا يبقى لا ينتهي ، أعطني فرصة أخرى واعدك بان الندم يوما لن يأتي .

أتالم ... لاجلك يا وطني ..

.. أتالم كثيراً .. أنا ابتعدت عنك أو أنني لم أرك قط .. و لكن أنا لا أحتاج لأراك حتى أعرف عمق جمالك .... جمال ليس له مثيل ... رأيته بالصور ... قبل أن يتحول إلى رماد .. رأيته و كان يانعاً أخضر ... خضار براق .. سماء صافية ... جبال و سهول خضراء واسعة .... هواء يتدفق لرئيتك ... و شعور ليس له مثيل .... هذا ما قيل لي ... هذا ما سمعته و ما رأيته بالصور.... و هذا ما أتمنى أن يكون جزء من حياتي ... ولكن ليس الأن ... الأن تحول إلى رماد صحراء قاحلة سوداء ... الآم موجعة .... الآم فاجعة ... ما كان أخضر اللون أصبح أسود ... و ليس أُي سواد .. سواد قاتم سواد ملئ بالدماء ... و كل يوم تمتطر فيه أمطار غزيرة ... وليست أي أمطار إنها أمطار الحزن إنها دموع الأحباء ...... يبكون خوفا و ليس أي خوف إنه الخوف من الخالق الجبار من أن لا يكون راضٍ عنهم يبكون خشية من الله لأنهم يعلمون أنه سيظلهم يوم لا ظل إلا ظله ... و مع ذلك تراهم شجعان ... قلوبهم واسعة إمتلئت بذكر الله .... لا يحملون في قلوبهم إلا الأمل بالنصر و الثقة بالله القادر على نصر عبيده .... تكاتفت أيديهم و تحاببت قلوبهم .... عالمين بأن النصر قريب .... صابرين على المحن ... مأسورين في مكان ضيق و قد أحاطهم جدار الظلم ... كابتين مشاعرهم التي أقفلوا عليها بقفل الصبر .... منتظرين يوم النصر القريب ... يخرجون كل يوم بشجاعة مطلقين العنان لصبر دام سنين طويلة ... قائلين بكل فخر و اعتزاز : "صبرنا و صبرنا و سنصبر لحين النصر القريب"

قالوا في الموت ..

حكم عن الحزن

يأتي الموت فجأة من دون مقدّمات؛ حيث يسرق منّا الفرحة والسّعادة، ويقلب حياتنا رأساً على عقب، يخطف منّا أحبّتنا، ويفرّق جمعنا، ويُخيّم على قلوبنا الأحزان. يأتي الموت فيصبح القمر بعد فقدان الأحبّة مُعتماً، والشّمس مظلمة، وتصبح حياتنا صحراء قاحلةً بلا أزهار ولا ملامح ولا ألوان، عندما يرحل الأحبّة لا نصدّق أنّهم لم يعودوا موجودين في عالمنا، لا نصدّق ولا نريد أن نصدّق أنّهم رحلوا وتركونا نعاني مرارة فقدانهم، فكم هي مريرةٌ لوعة الأشواق إليهم، وكم هي باردة وكئيبة ليالي العمر دون دفئهم وحنانهم الذي كان يغمرنا. الموت، تلك الكلمة التي تحمل في طيّاتها الكثير من المعاني الحزينة، والألم على فراق الأحبّة، فإنّ الموت لا يستأذن أحداً، ولا يجامل أحداً، وليس له إنذار مبكّر؛ فالعديد من الشّعراء لم يجدوا شيئاً للتّعبير عن فقدان أحبّتهم إلا برثائهم عن طريق قول الشّعر في ذكراهم.

شعر علي بن أبي طالب عن الموت : النّفس تبكي على الدّنيا وقد علمت أن السّعادة فيها ترك ما فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلّا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍّ خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدّهر نبنيها أين الملوك التي كانت مسلطنةً حتّى سقاها بكأس الموت ساقيها فكم مدائن في الآفاق قد بُنيت أمست خراباً وأفنى الموت أهليها لا تركننّ إلى الدّنيا وما فيها فالموت لا شكّ يفنينا ويفنيها لكلّ نفس وإن كانت على وجل من المنيّة آمال تقوّيها